عام 2075 .. نظرة استشرافية «1»

الدراسات المستقبلية، أو استشراف المستقبل، خليط من الماضي وخبراته المتراكمة والمعلومات المتاحة والمستخلصة منه للموضوع أو الظاهرة محل الدراسة، والحاضر بمعطياته. استشراف المستقبل أحد أهم أدوات التقدم والتطور والتحوط في جميع النواحي الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية والصحية وغيرها. فيما يخص الاقتصاد، فإن الخطط الاستراتيجية على مستوى الاقتصاد الكلي أو الجزئي لن تكتمل أركانها، ولن تتحقق أهدافها المرجوة إلا بوجود مراكز معتبرة تقوم بصناعة دراسات مستقبلية استشرافية مبنية على بيانات ذات جدوى، يقوم بمعالجتها مختصون فتنتج عن ذلك معلومات ذات قيمة تغذى بها هذه الدراسات، فتنعكس إيجابا على مخرجاتها ودقتها.
قبل التطرق إلى جانب الطاقة، أود التعريج بعجالة على تقرير بنك جولدمان ساكس وهو يعد تقريرا استشرافيا لاقتصادات العالم بحلول 2075. الجدير بالاهتمام أن "جولدمان ساكس" تتوقع أن اقتصاد كل من الصين والهند بالتوالي سيتربعان على عرش صدارة أكبر اقتصادات العالم في 2075، حيث يتجاوز اقتصاداهما اقتصاد الولايات المتحدة التي تتوقع "جولدمان ساكس" أنها ستحتل المرتبة الثالثة بحلول العام ذاته وفق معيار الناتج المحلي الإجمالي.
حاليا تحتل أمريكا المرتبة الأولى من حيث الناتج المحلي الذي قدر بـ25 تريليون دولار، وتليها الصين ثانيا بناتج محلي إجمالي بنحو 18.3 تريليون دولار، ويليهما بالترتيب كل من اليابان ثم ألمانيا والهند والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وروسيا وإيطاليا. اللافت وما يستحق الوقوف عنده في تقرير "جولدمان ساكس" الاستشرافي، أن قائمة أكبر 20 اقتصادا في العالم من حيث الإجمالي المحلي، ستخلو من دول أوروبا وروسيا! حيث تتوقع أن ترتيب أكبر اقتصادات العالم سيضم بالترتيب بعد الصين والهند وأمريكا كما تم ذكره سابقا، إندونيسيا ونيجيريا وباكستان ومصر والبرازيل والمكسيك وتركيا وبنجلادش وإيران وفيتنام والسعودية. يليهما في الترتيب كل من تايلاند والفلبين وجنوب إفريقيا والكونجو وإثيوبيا وأخيرا في المرتبة الـ20 دولة كينيا.
في رأيي أن هكذا تقرير استشرافي هو مفاجئ حيث إنه يشمل تغييرا شبه جذري في دخول بعض الدول الناشئة في القائمة، وخروج كبير لدول ذات ثقل اقتصادي في الوقت الحالي، بل يعني أن أوروبا وروسيا ستكون خارج أكبر 20 اقتصادا! هذا يقودني إلى سؤال استشرافي مهم في اعتقادي حول انعكاس هذا التقرير على الدراسات المستقبلية والاستشرافية لقطاع الطاقة في 2075؟ قبل تسليط الضوء على هذا السؤال وسبر أغواره، أود أن أوضح أن الدراسات الاستشرافية يختلف مداها الزمني بحسب الأهداف المحددة، ومن أبرز تصنيفات المدى الزمني للمستقبل هو تصنيف "مينيسوتا" الذي قسم الأبعاد المستقبلية إلى خمسة أبعاد، أولها المستقبل المباشر، ويمتد من عام إلى عامين، ثانيا المستقبل القريب، ويمتد من عامين إلى خمسة أعوام.
ثالثا، المستقبل المتوسط، ويمتد من خمسة أعوام إلى 20 عاما، ويليه المستقبل البعيد ويمتد من 20 إلى 50 عاما، وأخيرا المستقبل غير المنظور الذي يتجاوز 50 عاما. نكمل ما بدأناه في المقال المقبل بإذن الله، والذي أسلط الضوء فيه على انعكاس تقرير "جولدمان ساكس" على منظومة الطاقة العالمية في 2075، خصوصا الهند والصين وأمريكا أكبر مستهلكي النفط في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي